دعاء لمن ابتليت بزوج ظالم: بين البلاء والدعاء والرجاء

مقدمة

الزواج من أسمى العلاقات الإنسانية، وهو ميثاق غليظ شرّفه الله ورفعه إلى مصافّ الروابط المقدسة، لما فيه من سكن ورحمة ومودة. غير أن بعض النساء يُبتلين في هذه العلاقة المقدسة بزوج ظالم، لا يقدّر العشرة، ولا يحفظ الميثاق، فيقلب حياة زوجته جحيمًا من القهر والخذلان والحرمان. وتصبح هذه المرأة تعيش بين ألم الواقع وأمل الفرج، بين نار الصبر وسُحُب الرجاء. وفي ظل هذا البلاء، لا تجد كثير من النساء ملاذًا إلا اللجوء إلى الدعاء، فهو سلاح المؤمن، وملجأ المكروب، ودواء المظلوم، وسبيل المستضعف في وجه الجبروت.

معنى الظلم في الإسلام وموقف الشرع منه

الظلم من الكبائر التي نهى الله عنها بشدة في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الكريم ﷺ، حيث قال تعالى:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42].

وقال الرسول ﷺ: “اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” [رواه مسلم].

والظلم في العلاقة الزوجية قد يأخذ صورًا متعددة:

• ظلم بالضرب والإهانة النفسية أو الجسدية.

• ظلم بالحرمان من الحقوق الشرعية، كالنفقة والمبيت والمعاملة بالمعروف.

• ظلم بالخيانة أو الإهمال العاطفي.

• ظلم بالتحكم والاستبداد وسلب حرية المرأة وإنسانيتها.

كل هذه الصور تُعدّ مخالفة للميثاق الغليظ، وتُخالف الهدي النبوي القائم على الرفق بالنساء والإحسان إليهن، حيث قال النبي ﷺ: “استوصوا بالنساء خيرًا”.

الابتلاء بالزوج الظالم: ابتلاء في الصبر والإيمان

الابتلاء بالزوج الظالم من أشدّ ما قد تواجهه المرأة في حياتها، لأنه ابتلاء يتسلل إلى عمق مشاعرها، ويمتد أثره إلى كيانها النفسي والجسدي، بل وقد يُفسد على المرأة طمأنينتها الدينية والدنيوية. ومن صور هذا البلاء:

• شعور دائم بالإهانة وفقدان القيمة الذاتية.

• اضطراب نفسي وقلق دائم قد يصل إلى الاكتئاب.

• فقدان الثقة في العلاقات والناس.

• الخوف على الأبناء ومستقبلهم في بيئة غير مستقرة.

في هذا المقام، يكون اللجوء إلى الله ضرورة وجودية، وليس فقط حاجة نفسية؛ إذ إن رفع المظلمة لا يكون إلا إلى من لا يظلم، ولا يغفل، ولا يخذل عباده الصابرين. قال الله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18].

قوة الدعاء في وجه الظلم

الدعاء للمرأة المظلومة ليس فقط وسيلة تفريج وهمّ، بل هو سلاح نابع من يقينها بأن الله عادل لا يرضى الظلم، وبأنه سبحانه يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ الظالم لم يُفلته.

قال النبي ﷺ: “اتق دعوة المظلوم، فإنها تُصعد إلى السماء كأنها شرارة” [رواه أحمد].

وهذه بعض الأدعية التي يمكن للمرأة المظلومة أن تلهج بها في جوف الليل وسجود النهار، دعاءً واحتسابًا وصبرًا:

أدعية عامة للمظلومة

• “اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، وتعلم ظلمي وضعفي، اللهم إني مظلومة فانتصر لي”.

• “اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تسلط عليّ من لا يخافك ولا يرحمني”.

• “اللهم اكفني شر من ظلمني، وارفع عني ما نزل بي من أذى، واشرح صدري ويسر أمري”.

• “يا جبار السموات والأرض، اجبر كسري، وداوِ جراحي، وردّ إليّ حقي ممن ظلمني”.

• “اللهم إني أستودعك صبري وكرامتي ودموعي، فاحفظها لي ولا تريني بأسًا من عبادك الظالمين”.

دعاء لمن ابتليت بزوج ظالم

• “اللهم اجعل زوجي ممن يخشاك فيّ، اللهم إن قلّ حيلتي، وضعُفَ صبري، وأُغلقت أبواب الدنيا، فافتح لي من أبواب رحمتك”.

• “اللهم إن زوجي ظلمني وقهرني، وأهدر حقوقي، فاقتص لي منه، أو أصلح قلبه إن كان في إصلاحه خير لي”.

• “اللهم لا تجعلني من القانتات لغيرك، ولا من الصابرات على ذلّ من لا يرحم، وأعني على النهوض بنفسي من رماد هذا القهر”.

• “يا من لا يُردّ دعاء المظلوم، أنصفني ممن تجبّر عليّ، وأرني فيه عجائب قدرتك إن لم يكن فيه خير لي”.

آثار الدعاء في النفس والواقع

للدعاء آثار عظيمة لا يُدركها إلا من ذاق مرارة الظلم ولجأ إلى الله:

• السكينة النفسية: فالمؤمنة تشعر بالطمأنينة أن الله يسمع ويرى، ولن يضيع حقّها عنده.

• رفع البلاء: كثيرًا ما يكون الدعاء سببًا في رفع الظلم، أو تغير قلب الظالم، أو التخفيف من حدة الأذى.

• الثبات والصبر: الدعاء يمدّ النفس بطاقة روحية تجعلها قادرة على الصبر دون الانهيار.

• فتح الأبواب: كم من امرأة فرّج الله همّها، وأخرجها من قيد الظلم إلى رحابة الحياة، بسبب دعاء خالص من قلب مكسور.

• تحقيق الانتصار الرباني: فالظالم يُمهل إلى حين، ثم يأتي وعد الله، وهو لا يُخلف الميعاد.

الصبر لا يعني الاستسلام

يُخلط في كثير من الأحيان بين الصبر والاستسلام، والحقيقة أن الإسلام لا يرضى للمرأة أن تُهان وتُذل وتُحطّم باسم الصبر. الصبر المأجور هو الصبر الذي يترافق مع السعي لتغيير الحال، وطلب النجاة، واتخاذ الأسباب.

ومن الأسباب التي لا تُنافي التوكل على الله:

• الاستعانة بالمؤسسات الشرعية أو القانونية لحماية النفس والحقوق.

• طلب الطلاق إذا استمر الظلم وكان فيه ضرر بالغ على الدين أو النفس.

• إشراك الأهل أو الحكماء في السعي للإصلاح أو الإنصاف.

• حماية الأبناء من جو الظلم الذي قد يورثهم عُقدًا نفسية وأخلاقية.

نصوص من القرآن والسنة عن الظلم

﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ﴾ [طه: 61]

﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113]

قال النبي ﷺ: “من دعا على من ظلمه قال الله: لبيك، لأنصرنك ولو بعد حين” [رواه الطبراني].

الفرق بين دعاء الهداية ودعاء الانتقام

في حالات الابتلاء، تتردد المرأة بين دعاء بالهداية لزوجها، أو دعاء بالقصاص منه. وكلا الدعائين مشروع، لكن يُقدَّم دعاء الهداية متى ما كان في الزوج أمل، أو في العلاقة مصلحة أو أبناء.

أما إن وصل الظلم إلى حدّ لا يُطاق، وكان الزوج مصرًّا على الأذى، فالدعاء عليه لا يُعدّ عدوانًا، بل هو لجوء إلى عدالة السماء. وقد ورد في القرآن الكريم:

﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: 148]

حالات عرفت الفرج بعد الدعاء

عبر العصور، لا تخلو كتب التاريخ والسير من قصص لنساء عانين الظلم، ولجأن إلى الدعاء، فبدّل الله أحوالهن. بعضهن رُدّ إليهن حقّهن، وبعضهن انتصر لهن القدر، وبعضهن قُدّر لهن الخروج من العلاقة إلى حياة أكرم.

في كتاب “سير أعلام النبلاء”، يُذكر عن امرأة كانت تدعو ليلًا ونهارًا على من ظلمها، فقضى الله أمرها في وقت لم تكن تتوقعه، فبكت وقالت: “وعزتك يا رب، ما خاب من توسّل إليك”.

جدول: مقارنة بين صبر المرأة المظلومة والدعاء كوسيلة دعم نفسي وروحي

خاتمة

الدعاء ليس ضعفًا ولا استسلامًا، بل هو قمة القوة والإيمان. والمرأة التي تبتلى بزوج ظالم ليست مهزومة، بل مأجورة بصبرها، مشمولة بعناية ربها، محفوظة بملائكة السماء. تظل تلهج بدعاء المظلوم حتى يُستجاب لها، ويأتيها الفرج من حيث لا تحتسب، فيُبدل الله خوفها أمنًا، وذلّها عزًا، ودمعتها بشارة.

المراجع:

• صحيح مسلم، حديث الظلم

• تفسير الطبري للآية 42 من سورة إبراهيم